لماذا نخسر مراهقينا و كيف نستعيدهم
المراهقة هي المرحلة التي يشعر فيها كثير من الأهالي أنهم فقدوا التواصل مع أبنائهم. فجأة، يبدو الطفل الذي كان قريبًا منهم بالأمس وكأنه يبني جدار يصعب اختراقه. لكن المراهقة ليست لغزًا غامضًا، بل هي مرحلة نمو طبيعية، تمامًا كما كانت مرحلة الحبو أو تعلم المشي والكلام. إنها فترة يختبر فيها المراهق استقلاليته الناشئة، ويبدأ في كسر طوق الحماية الوالدية ليكتشف العالم بطريقته الخاصة.
لماذا يصبح المراهق صعب المراس؟
١. ذلك جزء طبيعي من عمره
المراهقة هي مرحلة تفكيك وإعادة بناء الهوية، مما يعني تحدي القواعد والاختلاف عن الأهل كوسيلة لتأكيد الاستقلالية. هذا ليس تمردًا بلا سبب، بل طريقة طبيعية للنمو النفسي والاجتماعي.
٢. العلاقة الحقيقية بينه وبين والديه لم تكن قوية منذ البداية
يظن بعض الآباء أن رعايتهم للطفل من خلال توفير الطعام والتعليم تعني أنهم أقاموا معه علاقة قوية، لكن العلاقة الحقيقية تتطلب تواصلًا عاطفيًا عميقًا.
اسأل نفسك: هل يمكنك قضاء ساعة ممتعة تتحدث مع ابنك دون صراع؟ هل يشعر بالراحة والاحترام في وجودك؟ هل تتواصل معه بطريقة تجعله يشعر بالتقدير، أم أنك تعتمد على الصراخ والتوجيهات المستمرة؟
٣. محاط بمحيط اجتماعي لا يعكس القيم التي يريدها الأهل
المراهق لديه حاجة فطرية قوية للانتماء، وإذا لم يجد بيئة تناسب قيم العائلة، سينجذب إلى المجتمع الأكثر حضورًا حوله، سواء كان ذلك إيجابيًا أو سلبيًا.
هذه المرحلة هي وقت تكوين الشبكات الاجتماعية الأساسية التي سترافقه في حياته، لذا يجب أن يكون انتقاء محيطه أمرًا مدروسًا.
٤. لا يجد شيئًا يشغله ويمنحه الإحساس بالإنجاز والثقة بالنفس
الانتماء إلى رياضة، مسرح، نشاط سياسي أو طلابي، فرقة موسيقية، أو أي نشاط جماعي يمكن أن يكون وسيلة رائعة لتعزيز ثقته بنفسه وإشباع حاجته للانتماء إلى مجموعة داعمة وإيجابية.
٥. الأهل أنفسهم يعيشون في محيط غير صحي
المراهق يتأثر ليس فقط بكيفية تربيته، ولكن أيضًا بالبيئة التي يعيش فيها الأهل أنفسهم. فإذا كان المنزل مليئًا بالمشاكل أو التوتر، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك على سلوك المراهق.
٦. لم ينشأ في مجتمع متماسك يخشى فيه أن يكون سيئ السمعة
في المجتمعات المتماسكة، هناك رابط قوي بين الفرد ومحيطه، ما يجعل المراهق أكثر حرصًا على سمعته وعلى تبعات أفعاله. لكن في المجتمعات المتفككة، يضعف هذا الرابط، مما يجعل المراهق أقل اكتراثًا بالقيم الجماعية.
كيف نساعد المراهق في هذه المرحلة؟
١. إحاطته ببيئة صالحة وداعمة
إذا كان المحيط الحالي لا يوفر بيئة مناسبة، فقد يكون الانتقال إلى منطقة أخرى أو تغيير المدارس خيارًا يستحق التفكير فيه. البيئة تصنع فرقًا هائلًا في تشكيل شخصية المراهق.
٢. إعادة بناء العلاقة معه
مهما كان الجفاء موجود في العلاقة مع المراهق، لكنه لا يزال يحتاج حب والديه وتقديرهم. قد لا يظهر ذلك، لكنه يسعى إليه دائمًا.
بناء العلاقة يحتاج إلى وقت وصبر، لكنه ممكن إذا تعامل الأهل معه بتفهّم وإصرار على تحسين التواصل بدلاً من الاكتفاء بالنقد والتوجيهات.
٣. تشجيعه على الانضمام إلى نشاطات تمنحه الشعور بالإنجاز والانتماء
الرياضة، الفنون، العمل التطوعي، والمجموعات الطلابية كلها تساعده على تطوير مهاراته وبناء دائرة اجتماعية إيجابية.
الأهم هو اختيار شيء يهتم به فعلًا، وليس إجباره على نشاط لا يحبه.
٤. الاهتمام باحتياجاته اليومية
قد يبدو المراهق ناضجًا في مظهره، لكنه في الحقيقة طفل بجسد راشد. يحتاج دعمًا في تنظيم نومه، غذائه، وقته الحر، صداقاته، وحتّى توجّهه الروحي.
هذه المرحلة هي أفضل وقت لتطوير عادات حياتية صحية قبل أن يستقل في حياته لاحقًا.
الخلاصة
المراهقة ليست أزمة، بل فرصة لفهم أعمق لنمو الإنسان. إذا تعاملنا معها بوعي وصبر، يمكن أن تكون مرحلة تقوية العلاقة مع أبنائنا بدلاً من أن تكون سببًا في فقدانهم.
المفتاح الأساسي؟ أن نقدم لهم بيئة جيدة، دعمًا مستمرًا، ونافذة للنمو والتعبير عن أنفسهم.
هل لديك مراهق في حياتك؟ كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟