البيمارستان النوري في دمشق: نهجٌ مُلهم ل مَ.نْ.بِ.تْ
يُعد البيمارستان النوري من أقدم وأهم المؤسسات الطبية في دمشق، وهو شاهدٌ على سبق الحضارة الإسلامية في فهم العلاقة الوثيقة بين النفس والجسد في العلاج. أسّسه نور الدين زنكي في القرن الثاني عشر الميلادي ليكون مركزًا متكاملاً لرعاية المرضى، حيث اعتمد نهجًا متقدّمًا يرفض الفصل بين العوامل الجسدية والنفسية، متجاوزًا بذلك العديد من الممارسات الطبية السائدة في ذلك العصر.
التكامل بين النفس والجسد في البيمارستان النوري
تبنّى أطباء البيمارستان، ومن بينهم ابن النفيس، رؤيةً متقدمة حول تأثير الحالة النفسية على الصحة الجسدية، وهو ما نجده اليوم في مجال الطب النفسي الجسدي . كما تأثر البيمارستان بفكر ابن سينا والرازي، اللذين أكّدا على ضرورة معالجة الأسباب النفسية بالتوازي مع الأعراض الجسدية، مما شكّل أساسًا لفكرٍ طبيٍّ يراعي الإنسان ككل، وليس فقط كأجزاء منفصلة.
الحديقة في البيمارستان النوري في دمشق
نماذج من العلاجات التكاملية في البيمارستان النوري
حرص الأطباء في البيمارستان على تقديم علاجات شاملة تأخذ في الاعتبار الصحة الجسدية والنفسية معًا، ومنها
١. الحجامة: لم تكن تُستخدم فقط لتنظيم تدفق الدم وتخفيف الآلام، بل كانت تُعتبر وسيلةً لتحرير الانفعالات المكبوتة وتحقيق التوازن النفسي والجسدي.
٢. التدليك: استُخدم لتعزيز الاسترخاء، وتحسين الدورة الدموية، وتخفيف التوتر النفسي، مما جعله علاجًا فعّالًا للقلق والاكتئاب
٣. العلاج بالأعشاب: وُظّفت النباتات الطبية بعناية وفقًا لخصائصها العلاجية، سواء كمهدئات طبيعية للاضطرابات العاطفية أو كمقوّيات تعزّز المناعة والطاقة الجسدية.
٤. العلاج بالموسيقى: كانت هناك قاعات مخصصة للاستماع إلى الألحان الهادئة، في نهجٍ يشبه الممارسات الحديثة التي تعتمد على التأثيرات الحسية لتنظيم الجهاز العصبي وتحسين المزاج.
٥. الترويح النفسي والبيئة العلاجية: أُقيمت في البيمارستان ساحات وحدائق مُصمّمة لتوفير بيئة مريحة تدعم الصحة النفسية وتعزز التعافي، وهو ما يعكس فهمًا مبكرًا لدور المحيط في تعزيز الرفاه النفسي.
البيمارستان النوري قدوةً ونهجًا لمركز م.ن.ب.ت
ما قدّمه البيمارستان النوري قبل قرون لا يزال يمثل أحد الأسس الجوهرية في الطب الحديث، حيث أثبتت الأبحاث أن الاضطرابات النفسية تؤثر على الجهاز المناعي والعصبي، وحتى على أمراض القلب والهضم، والعكس صحيح. واليوم، يسير مركز م.ن.ب.ت على خطى هذا النهج التكاملي، حيث يعتمد رؤية شمولية تأخذ في الاعتبار العلاقة بين النفس والجسد، وتأثير البيئة، والدعم الاجتماعي، والروحانيات في عملية الشفاء.
مثلما كان البيمارستان مركزًا يحتضن الإنسان في كليّته، يسعى مركز م.ن.ب.ت إلى تقديم رعاية نفسية وجسدية متكاملة تجمع بين أحدث العلوم النفسية والفهم العميق للعوامل البيئية والاجتماعية والروحية. كان البيمارستان النوري رمزًا لتقدّم الطب الإسلامي في الماضي، لذا ينظر له مركز م.ن.ب.ت كقدوة يتوجب اتباعها لنكون كنفسانيين جدد امتدادًا لهذا الإرث في العصر الحديث، ولنعيد إحياء الفلسفة التكامليّة بروحٍ علميةٍ معاصرة. سيراً نحو فلسفة نفسية تشبهنا، و تسمح لنا بتعزّيز الصحة النفسية والجسدية للأفراد والمجتمع